البعــــث

 

Main Page

 

 

البعــــث

 

مجلة داخلية دورية للأعضاء والأنصار فقط

يصدرها حزب البعث العربي الاشتراكي

العدد "3" يو نيو 2001م الخرطوم

 

 

مراجعة كتابات الصاوي حول العلاقة البعثية الناصرية

والحوار القومي / القومي

أمين اسكندر

كاتب مصري

 

 

(نشرت في مجلة المستقبل العربي العدد "234" بتاريخ 8/1998م)

 

لا يتجاوز الفارق الزمني بين الكتابين موضع العرض ، واللذين صدرا عن دار النشر نفسها ، حدود الشهر الواحد . فلقد صدر كتاب (العلاقة الناصرية - البعثية) في شهر فبراير 1995 . وجاء كتاب (الحوار القومي - القومي ، الضرورة والامكانية) لاحقا عليه في شهر مارس 1995 ، والتوقيت بشقيه لا يعبر فقط عن الوحدة الموضوعية لاشكالية الكتابين : اشكالية الوحدة العربية التي تمثل الطريق الوحيد لتقدم الأمة ، لكن كذلك عن اقتناع بأهمية التيارين السياسيين (الناصري والبعثي) في الحركة القومية بوصفهما صاحبي فعل الوحدة والانفصال ، هذا الي جانب محاولة الكاتب تجاوز احجام الفكر السياسي القومي العربي خلال مراجعته لنفسه منذ ما يتجاوز العشرين عاما عن تحليل الخلاف الناصري - البعثي كون الجيل المسؤول عن أحد جذرى هذا الخلاف لا زال هو الجيل المتحكم في الدولة والحزب (العراق وسوريا ومصر) من هنا فإن الكاتب اختار موضوعا صعبا وغير مطروق وهو ما انعكس علي قلة المصادر بل ندرتها بالاضافة الي أن مثل هذا الموضوع تستعصي معالجته من منطلق محايد . والكاتب إذ يتصدي لدراسة ظاهرة الحوار القومي - القومي من مدخل الحوار الناصري - البعثي فانه انما يفعل ذلك من خلال عدة محاور يمكن اجمالها في اثنين رئيسين : 1) تطورات العلاقة بين الناصرية والبعثية . 2) مصادر الخلاف بين التيارين .

1

بداية بتطورات العلاقة بين الناصرية والبعثية ، فقد ميز الكاتب في اطارها بين ثلاث مراحل ، هي المرحلة التمهيدية ، والمرحلة الايجابية ، والمرحلة السلبية ، تحددت المرحلة التمهيدية بالفترة الواقعة بين وصول الضباط الاحرار الي السلطة في مصر ليلة 23 يوليو 1952 ومطلع عام 1955 ، باعتبار الأخير يمثل التاريخ الذي يصطلح البعثيون انفسهم علي كونه يمثل التمهيدية المميزة لتلك المرحلة من علاقة الطرفين ، بتعبيرها عن درجة عالية من عدم التبلور في ادراك كل طرف للآخر . فعلي الجانب المصري ، لم تهتم القيادة آنذاك بتحديد موقفها من حزب البعث ، وذلك نتيجة انشغالها بقضيتين جوهريتين ، الأولى قضية إجلاء الاحتلال الانكليزى عن الأرض المصرية ، والثانية قضية حسم الصراعات الداخلية في السلطة ومن حولها (محمد نجيب ، جمال عبدالناصر ، الوفد ، الإخوان المسلمون ، الشيوعيون في أزمة مارس الشهيرة) وعلي الجانب السورى ، وعلي رغم تثمين حزب البعث لدور مصر بما يتناسب وثقلها علي الصعيد العربي ، إلا أن قومية هذا البعث بابعادها الايديولوجية والتنظيمية والسياسية لم تكن قد اكتملت بعد ، وبالذات لجهة التمدد والانتشار في مصر والاقطار العربية غير المشرقية ، وانعكس ذلك علي محدودية اطلاع البعث علي الأوضاع في مصر ، كما انعكس علي زيادة حساسيته تجاه الحكومات العسكرية ولاسيما بعد تجربة انقلاب حسني الزعيم في سوريا ، علاوة علي عدم الوقوف علي البيئة المحيطة بالثورة المصرية ، وهي بيئة اكتنفها هي نفسها الغموض في تلك المرحلة .

وامتدت المرحلة الايجابية بين فبراير ومارس 1955 ، حيث تم اتصال حقيقي بين الطرفين باشره الأمين العام لحزب البعث آنذاك المفكر القومي ميشيل عفلق ، ومن خلال هذا اللقاء تبلور التحول في اتجاه الايجابية ، وهو التحول الذي تواكب مع صلابة الموقف المصري من المخططات الاستعمارية في المنطقة ، وذلك علي أثر توقيع الاتفاق العراقي - التركي في فبراير 1955 وبداية تأسيس حلف بغداد الذي اكتمل بالتوقيع البريطاني علي الاتفاق في أبريل من العام نفسه ، كذلك فإنه في سياق التحول القومي الايجابي لمصر ، صدر الدستور المصري في يناير 1956 متضمنا في ديباجته النص علي عروبة مصر ، بل إن الايجابية كانت هي السمة لمجمل السياسات المصرية آنذاك ، وآية ذلك التزام الحياد الايجابي والحضور الفاعل في مؤتمر باندونغ .

ولقد فسرت قيادة حزب البعث التحول الناصري من المرحلة التمهيدية الي المرحلة الايجابية ، عبر التمييز بين اطروحتي "التقدمية" و "الانقلابية" (التي تعني الثورية في فكرها) . وبذلك ، وبحسبها ، فلقد تم تقييم النظام الناصري باعتباره نظاما تقدميا متحولا نحو الانقلابية وفق شروط معينة اهمها الديمقراطية والدور الشعبي ، وبلغت تلك الانقلابية ذروتها في التقاط شعار وحدة مصر وسوريا الذي طرحه البعث في 17 أبريل 1956 بمناسبة ذكرى الجلاء عن سوريا ، وهكذا زادت فرص الالتقاء بين التيارين ، ولمع معدن ثورة يوليو ، عبر التحديات التي واجهتها أثناء معركة التحرر الوطني بأبعادها السياسية والاقتصادية (بناء السد العالي ، تأميم قناة السويس ، دحر العدوان الثلاثي) ، ومن خلال دعمها حركات التحرر الوطني في المغرب العربي وفي الخليج وفي جنوب شبه الجزيرة العربية ، وعلي طول الطريق الذي سلكته لتغيير الواقع الاقتصادي المصري (بإعمال إجراءات الاصلاح الزراعي ، وقوانين إعادة تنظيم الملكية) وعلي الجملة ، فإن ما سبق قد أشاع تفاؤلا وانبهارا داخل صفوف حزب البعث بشخص جمال عبدالناصر .

2

وبدأت الاشارات الأولى للمرحلة الثالثة والاخيرة ، أي مرحلة السلبية في تاريخ علاقة البعث بالناصرية فور إجراء الاستفتاء علي الوحدة في 22 فبراير 1958 ، وهو ما عبر عنه محمد حسنين هيكل بقوله : "بدأت المتاعب في وقت مبكر ولعلها بدأت في اليوم التالي لقيام الوحدة" . ففي أعقاب إجراء الاستفتاء علي الوحدة ، بدأت تتعالي أصوات المتذمرين من الجانبين : احتجاجا علي تسلط السلطة واحتكارها في الإقليم الجنوبي ، أو تحسبا من التخطيط البعثي لاحتكار السلطة في الإقليم الشمالي . وفي مارس 1960 أصدرت القيادة القومية نشرة سرية تداولها أعضاء البعث وشرحت لهم محاور الخلاف بين البعث وعبدالناصر ، وهكذا ظهرت علي السطح خلافات الجانبين لاول مرة بشكل سافر ومعلن ، وأتت لاحقة علي قبول استقالات المسؤولين البعثيين من الحكومتين المركزية والاقليمية حيث كان كل من أكرم الحوراني ، وصلاح البيطار ، ومصطفي حمدون ، وعبدالغني قنوت ، وخليل الكلاس ، قد قدموا استقالاتهم الفردية ، والتقي عبدالناصر كلا منهم علي حده .

ويرجع الكاتب التباين البادي في حدة الخلاف وعلانيته بين مصر وسوريا ، الي اختلاف الطبيعة العامة لطرفيه ، فعلي حين تيسرت لقيادة الجمهورية العربية المتحدة سلطة شبه كاملة للتحكم بمدى علانية الصراع من فوق منابرها ، فإن البعث كان لزاما عليه إلا يتجاوز حدا معينا من هذه العلانية وذلك بغرض توجيه عضويته وحفظ تماسكها من حول القيادة البعثية . وعمد الصاوي الي تدعيم تحليله السابق ، بقراءة متعمقة لمضمون المادة الإعلامية الصادرة عن الجانبين خلال مرحلة السلبية ، ويخلص علي رغم ما ذكره من اختلاف درجة الإعلان عن الصراع ، الي التشابه في الملامح الاساسية للهجوم المتبادل بين الناصرية والبعثية ، والذى استمر حتى رحيل عبدالناصر علي وتائر متباينة من الحدة والهدوء ، حتى إذا غاب عبدالناصر انشغلت الناصرية بهمومها الداخلية ولم يقم حوار بعثي - ناصري جدى الي ألان .

وينتقل الكاتب بعد ذلك الي الحديث عن مصادر الخلاف بين التيارين الناصري والبعثي ، ويؤسسها علي محدودية معرفة كل منهما بالآخر لحظة تأسيس العلاقة بينهما ، وعلي رغم أن تلك السلبية جرى تجاوزها لاحقا وعبر تطور التفاعل البعثي - الناصري ، إلا أن المعرفة المتبادلة بوشرت بسرعة وعلي نهج غير مؤسسي ، حتى إن قضية ماهية حزب البعث ومستقبل العلاقة معه لم تطرح علي قيادة الثورة المصرية ، وهكذا تشكلت رؤية عبدالناصر للبعث كما تشكلت رؤية البعث للناصرية ، عبر تفاعل المعارك بكل ما تحويه من غبار وأتربة .

 

 

3

ومن جانبه ، يحدد الصاوي رؤية الناصرية في عناصر هي : (1) المساواة بين البعث والقوى القومية الأخرى . (2) التأكيد علي وجوب المحافظة علي البعث . (3) رد ضعف الحزب الي ارتباطه بالانقلابات العسكرية ثم الي عنصر لاحق ، هو ضعف دور البعث قياديا ، بعد دخول الثورة المصرية مرحلة الثورة الاجتماعية ،أي بعد صدور الميثاق الوطني . كما يشخص الكاتب رؤية البعث للناصرية علي أساس إنها رؤية تعاملت مع نظام الثورة بوصفة نظاما تقدميا يتطور الي الانقلابية ، علي ماتقدم ، وتعزو عدم اتصافه بهذه الثورية منذ منشأه الي استثنائية ظروف مصر متمثلة في افتقادها الحركة الشعبية والعقائدية العربية ، ويدلل الصاوي ، بدلائل شتي ، علي انعدام الحساسية الناصرية تجاه البعث ومنشأه وبيئته ، وافتراضها قيام تفاهم ضمني بينها وبين البعث حول مسائل في مقدمتها حل الحزب . ففي المناقشات التي دارت حول هذا الموضوع عام 1963 - أي بعد الانفصال - كشف النقاب عن أن عبدالناصر طرح فكرة حل الحزب لاول مرة قبل إنجاز الوحدة بأسبوعين مع وفد من العسكريين السوريين ، أما لماذا قبل قادة البعث أنفسهم حل الحزب ، فقد صدر ذلك عن قناعتهم المزدوجة بأن مصير المشروع معلق علي الحل ، وأن التنظيم البديل الموحد سوف يتسع بالضرورة لاحتواء تجربة البعث ، مثل هذا الغياب للتشاور الثنائي حول قضية لها أهميتها ، والتعامل معها في المقابل من منطلق الافتراضات والاوهام لم يؤد فقط الي توتير العلاقات وسوء التفاهم ، ثم الي الاخفاق الذي كان لكنه مثل كذلك وقيعة ودسا واضعافا لاسلوب إدارة علاقة الوحدة التي جاءت دولتها - دولة الوحدة - لتعكس كل خصائصها وعوارها وتناقضاتها .

ولقد أطنب الصاوي في تعميق اجتهاده بخصوص الاصل المرجعي لخلافات قطبي الوحدة سواء في كتابه الأول عن العلاقة الناصرية - البعثية ، أو في كتابه الثاني الحوار القومي - القومي ، الذي هو عبارة عن تجميع عدة مقالات كتبها صاحبها في مناسبات مختلفة وفي صحف عربية مختلفة ، في تأكيده علي الحاجة لتفعيل الحوار في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأمة العربية بالاستفادة من تجارب الماضي القريب وخبراته الوحدوية ، ولا يفوت الكاتب التنويه ببعض الادوار التي لعبتها شخصيات قدر لها أن تعيش هذه المرحلة من مراحل تطور الفكر والعمل العربي ، وقد خص دور محمد حسنين هيكل بتركيز واضح ، وهو الدور الذي وصفه الصاوي بالسلبية ، كونه اقترن بتقديم معلومات مغلوطه وتلبيس حقائق ساهمت في تشويه الوعي العربي ، كما لا يفوته التعامل النقدى مع بعض التحليلات القومية ذات الصلة بموضوع كتابه ، ويهتم علي نحو خاص بكتابي ساطع الحصري ومطاع صفدى : الاقليمية : جذورها وبذورها ، وحزب البعث : مأساة المولد ومأساة النهاية ، وذلك علي التوالي ، هذا الي اطلالته المفيدة علي البعد القومي في الفكر السياسي السوداني ، كمفكر ينتمي الي واقع اجتماعي وثقافي شديد الثراء والتنوع .

4

وإذا كانت قراءة عبدالعزيز الصاوي في كتابيه لتجليات الحوار القومي - القومي ، تمثل مدخلا من مداخل التعامل مع ظاهرة الوحدة العربية بين الماضي والحاضر والمستقبل ، فإن ثمة مدخلا آخر لتحليل الظاهرة نفسها يسمح بتسجيل ملاحظات علي هامش اطروحتي الكاتب :

    1)        1)    علي رغم التزام الكاتب معالجة قضية العلاقة بين الناصرية والبعث ، إلا أنه لم يقدم لنا نبذة عن ظروف نشأة كل من التيارين ولا عن الملابسات الخاصة لهما ، سواء علي مستوى البيئتين العالمية والاقليمية في تلك المرحلة ، أو علي مستوى البيئة المحلية في كل من القطرين . ومن المؤكد أن ذلك القصور قد أثر في تفسير كثير من المواقف وتبيان العلل خلفها . فهل يكفي مثلا أن تقول إن هناك افتراضا متوهما بين عبدالناصر وقيادة البعث حول حل الحزب ، أم أن هناك أسبابا أخرى لدى كل منهما كانت خلف هذا القرار من ظروف محلية داخل سوريا ، وتصورات عند عبدالناصر عن الحياة الحزبية ؟

    2)        2)    أطلق الكاتب تعبير الناصرية علي مصر خلال تجربة الوحدة ، فإذا كان المقصود أن المباحثات كانت بين عبدالناصر قائد الثورة والبعث ، فهل يعتبر مصطلح الناصرية هنا دقيقا ؟ إن من المعروف أن هذا المصطلح لم يظهر في مصر سوى بعد رحيل عبدالناصر في عام 1970 ، بعدما رفض استخدامه أثناء حياته ، وكان ظهوره تعبيرا عن رؤية جديدة لجيل جديد في الحركة السياسية المصرية (الشباب الناصري) قبل ذلك وبالذات أثناء مباحثات الوحدة وفي سنوات دولة الوحدة ، لم يكن عبدالناصر سوى قائد لمصر ، ولم تكن أفكاره قد اكتملت بعد ، بقول آخر فانه لابد من تحديد دقيق لطرفي العلاقة الناصرية - البعثية ، فعلي الأقل بالنسبة للظرف الناصري في تلك الفترة ، فإنه لم يكن حزبا وإنما كان سلطة ، ولم يكن عقيدة وإنما كان تجربة في الحكم ، ولذلك فإن إطلاق صفة الناصرية علي علاقة مصر - عبدالناصر بالبعث في تلك المرحلة يحتاج الي تدقيق أكثر ، حتى نستكشف طبيعة تلك المرحلة والفاعلين فيها من أجهزة وأحزاب ومفكرين وكتاب وحركات سياسية .

    3)        3)    ركز الباحث علي رصد تفاعلات العلاقة ومراحل التطور التي صحبتها بين البعث والناصرية ، إلا أنه لم يؤطر ذلك عبر الصراع الضاري بين الدولة القطرية في مصر وسوريا ومصالح كل منهما ، ومدى اتفاق ذلك أو تعارضه مع حلم الجماهير العربية .

    4)        4)    إذا كان المؤلف يخص كلا من البعث والناصرية بالبحث في الماضي من أجل استخلاص دروس تفيد في المستقبل ؟ فإنه لم يقل عبر رؤيته تلك عن أي بعث مستقبلي يتحدث ؟ عن سوريا ، أم عن العراق ، أم عن البعث خارج السلطة ؟ وما علاقة ذلك بالدولة القطرية ؟ وما تأثير ذلك في هذا الحوار البعثي - الناصري ؟ وبالمثل فإنه لم يتناول الحركة الناصرية الناشطة اليوم علي الساحة ، وما المقصود بها تحديدا علي مستوى الفكرة والرؤية والحركة والبرنامج ؟

    5)        5)    من الإشكاليات الأخرى المرتبطة برؤية الكاتب ودعوته للحوار ، كيف يتم حوار فاعل بين التيار السياسي الناصري المتعدد الاطر التنظيمية في العديد من الساحات العربية ، وهو خارج السلطة في كل الساحات ، والتيار السياسي البعثي العربي الذي يمارس السلطة في بعض الاقطار ؟

    6)        6)    لم يتطرق الكاتب الي أي من التيارات القومية الأخرى بخلاف تيارى البعثية والناصرية ، ولا حتى بصورة عابرة ، ولعل مثل هذا التناول كان يبدو ضروريا لمعرفة الاجابة عن سؤال عملي محدد هو : الي من يتوجه الحوار المستقبلي الخاص بالحركة القومية ؟ وما هي الاطراف المرشحة له ؟ وما وزن كل منها ؟ وأي السبل أنسب لمثل هذا الحوار ؟

    7)        7)    وأخيرا ، فإن ثمة عوامل أخرى ، بخلاف العلاقة البعثية - الناصرية غذت ، ولاتزال تغذى ، النزعات الاقليمية في المنطقة العربية ، فماذا عن تأثير الصحراء العربية في احداث قطيعة في النسيج المجتمعي العربي ؟ وماذا عن تأثير توجهات بعض الملل والاقوام بخصوص قضية الوحدة ؟ وماذا عن تأثير الصراع بين الدولة والامة ، وبين اهل السراء واهل الضراء في هذه الأمة ؟ ثم وبعد ذلك ، ماذا عن تصورات دولة الوحدة المأمولة من الدستور الحاكم وحتى الممارسات اليومية للسلطة ؟ .. إن من الأهمية بمكان أن يقع تمييز بين صدور قرار بالوحدة وبناء الوحدة فعلا ، فالقرار بالوحدة هو قرار فوقي يعبر عن توقيت الانتقال من حالة التجزئة الي حالة الوحدة ، واكثر منه أهمية تصورات بناء الوحدة ، أي معمارها المتكامل الذي يمكن أن يتم تأسيسه قبل صدور القرار أو بعد صدوره . وتنبع أهمية ذلك المعمار من دور المواطنين العاديين وإسهامهم فيه . ويطرح ذلك علي طليعة الوحدة دورا نضاليا جديدا ، يتمثل في تبني نماذج وحدوية بجهود أهلية . تساعد في خلق بني قاعدية تكون بمثابة البيئة الطبيعية الحاضنة للحركة القومية .

وفي كل الأحوال ، فإن جهد الكاتب جدير بالتحية ، ولعله يكون فاتحة حوار قومي - قومي أشمل ، يتسع بالاضافة الي تقويم تجربة الوحدة ، لتقويم الفكر القومي في عمومه ، والتمييز في إطاره بين الثابت والمتغير . 

 

 

البعــــث

 

Main Page