البعــــث

 

Main Page

البعــــث

 

مجلة داخلية دورية للأعضاء والأنصار فقط

يصدرها حزب البعث العربي الاشتراكي

العدد "3" يو نيو 2001م الخرطوم

 

النظام الداخلي وموجهات البناء الحزبي

 

       1.        1. النظام الداخلي الذي أعاد نشره المكتب التنظيمي في الفترة الأخيرة هو نفس النظام الداخلي الذي ظل سائدا حتى التطورات الحزبية الأخيرة في نهاية عام 1997م . فهو يشمل الباب الأول (مبادئ أساسية) والباب الثاني (العضوية) والباب السادس (العقوبات الحزبية) والباب السابع (أحكام عامة) كما هي دون أي تغيير يذكر . أما الأبواب الأخرى فقد حدثت فيها تغييرات محددة ، شملت حذف الفصل الثاني في الباب الثالث الخاص بالتنظيمات القومية (المؤتمر القومي ، القيادة القومية ، الأمين العام ، المكتب التنظيمي القومي) لعدم الحاجة إليها بحكم قيام ق/ق بقطع علاقاتها معنا في 28/11/1997م بالإضافة الي قرارات الاجتماع الموسع في هذا الشأن (المجلة الداخلية 7/1998ماذا حدث ؟ ولماذا   حدث؟) وشمل الحذف أيضا الباب الرابع (المكاتب الحزبية) والباب الخامس (مالية الحزب) واستبدل البابان بالمواد 40 و 41 علي التوالي ، وذلك لانهما يحتويان علي تفاصيل لا لزوم لها . وما ورد في المادتين المذكورتين يخول القيادات المسؤولة بوضع اللوائح الملائمة لتنظيم مسؤولياتها في هذه الجوانب . وبذلك اختصرت مواد النظام الداخلي الي 61 مادة بدلا من 88 ، والمهم أن ذلك لا يؤثر في جوهر النظام الداخلي المتمثل في بناء التنظيم الحزبي علي أساس المركزية الديمقراطية بقواعدها المعروفة وتنظيم النشاط الحزبي من مستوى المؤيدين والأنصار حتى المؤتمر القطري والقيادة القطرية . ولا يؤثر أيضا في مبادئه الأساسية وتوجهه القومي ، وذلك لان العلاقة القومية تعالجها قرارات الاجتماع الموسع المشار إليها أعلاه ومع كل ذلك ، فان إعادة نشر هذه الوثيقة في الظروف الحزبية الراهنة تفتح الباب لاعادة مناقشة النظام الداخلي نفسه وكافة قضايا العمل التنظيمي وعلاقاتها بالجوانب الفكرية والسياسية والاجتماعية في نشاطنا الحزبي ، ويشمل ذلك ، بشكل خاص ، مفهوم (القومي) والعلاقة مع المركز القومي . ماهي ضروراتها وأهدافها وحدودها ؟ وكيف تكون وما شكلها ؟ وارتباط كل ذلك بالعلاقة مع الأطراف الأخرى في حركة التحرر القومي العربية ؟ وماهي علاقة القومي بالوطني ؟ هل يعني ذلك الاهتمام بالقضايا القومية وتجاهل القضايا الوطنية ؟ وتمتد هذه التساؤلات لتشمل خلاصة تجربتنا التنظيمية في الإطار الوطني وخصوصيتها السودانية .. وماهي سلبياتها وإيجابياتها ؟ ماهي أساسياتها التي يجب تركيزها وسلبياتها التي يجب تجاوزها؟ هل هناك ضرورة لتطوير النظام الداخلي وتجديد أساليب عملنا التنظيمي والسياسي والثقافي ؟ وفي أي مجال وكيف ؟ وماذا عن العلاقة بين المركزية والديمقراطية في النشاط الحزبي ؟ الإجابة علي هذه التساؤلات في ضوء التجربة العملية والمتغيرات الكبيرة الجارية في المستوى الوطني والقومي والإقليمي والدولي هي مدخلنا لتطوير وتجديد مفاهيمنا وأساليبنا في العمل . فالنظام الداخلي والقواعد والمفاهيم التنظيمية هي ، في النهاية ، آلية توسط الفكر والأيديولوجيا من جهة والواقع الوطني والقومي بتعقيداته السياسية والاجتماعية من جهة أخرى ، وذلك بهدف التأثير في هذا الواقع وتغييره ومن هنا تنبع أهمية مشاركة الكادر الحزبي في مناقشة هذه القضايا وغيرها وصولا الي مفاهيم مشتركة محددة . وفي هذه المحاولة نطرح بعض الأفكار كبداية لحوار داخلي واسع ومنتج .

*   مفهوم القومي وعلاقة الوطني والقومي : -

       2.        2. قد يجادل البعض أن حذف الفصل الثاني من الباب الثالث ، الخاص بالتنظيمات القومية ، يعني التخلي عن التوجه القومي لحساب التوجه القطري . وهو تساؤل جاد يتطلب إجابة موضوعية . والتساؤل بالتأكيد يتضمن مفهوماً محدداً لمعني (القومي والقطري) وعلاقتهما مع بعض . ولكن التوجه القومي هو في الأساس توجه فكرى وسياسي متكامل مرتبط بالأهداف العامة لحركة التحرر القومي العربية في مجموعها . وهو منهج فكرى وعقيدة ثورية (أيديولوجيا) تنطلق من الترابط الجدلي بين أهداف التحرر والوحدة القومية والحرية والاشتراكية ، أي بالمشروع النهضوى العربي ، في مواجهة أوضاع التجزئة والتخلف والتبعية . وهذا التوجه لا يعكس أي تناقض بين القومي والوطني ، بل يؤكد تكاملهما ويؤكد في الوقت نفسه أن التجربة القومية ، في عمومها ، هي خلاصة تجلياتها المتعددة والمتنوعة في الأقطار العربية المختلفة وليست امتداداً الحاقياً بمركز بعينه أياً كان شكله . وتجربتنا تفيد كثيراً في هذا الجانب . فقد كانت نشأة التيار القومي الاشتراكي وحزب البعث العربي الاشتراكي في السودان في بداية الستينات نتيجة لتأثيرات صعود حركة التحرر القومي العربية في تلك الفترة ، خاصة صعود الثورة المصرية وحزب البعث في المشرق العربي ، واستجابة لحاجات موضوعية عميقة في الواقع الوطني في ظروف فشل الحركة الوطنية التقليدية والحكم العسكري الأول . ومع توتر العلاقات الناصرية البعثية وانفجار صراعات الطرفين في 1963 ، طرحت تنظيماته الطلابية تساؤلات هامة حول دورها ومستقبلها وعلاقتها بذلك الصراع ومراكز حركة التحرر القومي العربية .. ما هو دورها ؟ هل هو بناء تنظيم قومي موحد يرتبط بواقعه الوطني ويعمل للتأثير فيه وتغييره ؟ أم تكون امتداداً لمراكز حركة التحرر القومي العربية وصدى لصراعاتها وخلافاتها ؟ وارتبطت هذه التساؤلات ولاتزال بوضعية السودان وتركيبه القومي المزدوج وخصوصية انتمائه ودوره العربي والأفريقي وضعف اندماجه الوطني . وفي مواجهة هذا الموقف اختار البعثيون السودانيون الأوائل الخيار الأول وطرحوا (الخط القومي التقدمي العام) كأساس لوحدة هذه التنظيمات ولعلاقتها مع كل أطراف الحركة القومية ، وبالذات ثورة يوليو المصرية وحزب البعث في المشرق العربي . وهذا الخيار لم يكن نتيجة حسابات تكتيكية قصيرة المدى ، بل كان ، ولايزال ، يرتبط بخيارات فكرية أساسية وفهما محددا لعلاقة القومي والوطني وخصوصية تحديات الحركة القومية ودورها في السودان . صحيح أن ذلك لم ينجح في تحاشي انقسام مجموعة ناصرية في منتصف 1963 ولكن هذا الانقسام نفسه كان تأكيداً لصحة هذا الخيار وهروباً من مواجهة التحديات الماثلة في الواقع الوطني بدعوى (أولوية الموقف القومي) ومع ذلك شهدت الفترة اللاحقة نمو وتطور تنظيمات الاشتراكيين العرب ، ومن خلال التفاعل الفكري والسياسي تحولت هذه التنظيمات للارتباط بحزب البعث في بداية السبعينات . وفي عام 1975 عقد الحزب مؤتمره الأول واصدر وثيقته الفكرية السياسية الأساسية (البعث وقضايا النضال الوطني في السودان) وكانت تمثل تلخيصاً مكثفاً لمواقفه وكتاباته في الفترة السابقة . وفي السنوات اللاحقه شهدت تنظيماته نمواً وتطوراً كبيراً ولعبت دوراً ملحوظاً في مقاومة النظام الديكتاتوري المايوى حتى سقوطه في عام 1985 ومع هذا التحول ظل الحزب محافظا علي خياراته الأساسية دون أي تدخل من المؤسسة القومية (لمزيد من التفاصيل أنظر : بانوراما تاريخ التيار القومي الاشتراكي وحزب البعث في السودان ، عبد العزيز الصاوى ومحمد علي جادين ، دار النجومي الخرطوم 1988) وهنا لابد من الإشارة الي نقطتين هامتين : الأولى أن نمو وتطور التيار القومي وحزب البعث في السودان (وبدرجة ما في تونس وموريتانيا أيضا) في الستينات وبداية السبعينات ، كان حالة شاذة مقارنة بتدهوره في الأقطار الأخرى وانشغاله بالصراعات الناصرية البعثية وصراعاته الداخلية في سوريا والعراق . ويرجع ذلك لاسباب موضوعية وذاتية أشرنا إليها في السطور السابقة . والثانية أن هذا التنظيم رغم ضعفه وانشغاله بمشاكله المباشرة ، رغم ذلك تمكن من المساهمة الإيجابية في دعم المركز القومي بقيادة المرحوم ميشيل عفلق وخاصة في المؤتمرين القوميين التاسع والعاشر . ووجد ذلك إعجاب العديد من قيادات الحزب في المشرق العربي وظلت تشيد بكفاءته وتطوره النوعي ، وبعضها ارجع ذلك لابتعاده عن المركز القومي والسلبيات السائدة في وسطه في تلك الفترة (انظر ميشيل عفلق ، الاعمال الكاملة ، لقاء مع بعثيين سودانيين في صيف 1982) وكل ذلك يؤكد صحة النهج الذي اختطه حزب البعث في السودان منذ بداياته الأولى وذلك في ارتباطه العميق بواقعه الوطني وتعامله مع المركز القومي للحزب وحركة التحرر القومي العربية عموماً من موقع خصوصية انتماء السودان ودوره العربي . ووجد هذا النهج قبولاً وتقديراً واسعاً في الداخل والخارج علي السواء .

*   النظام الداخلي وعلاقة الوطني والقومي :-

       3.        3. في هذه الفترة شهد الحزب القومي تطورا كبيرا في نظرته لقضايا الوحدة القومية وتعامله مع واقع التجزئة ، خاصة بعد فشل تجربة الوحدة المصرية السورية في 1961 . لذلك طرح شعار الوحدة الاتحادية والتكامل السياسي والاقتصادي الخ وكان لهذا التطور تأثيره في نظرته للعلاقة بين القومي والوطني وفي نصوص نظامه الداخلي . فالمادة 36 البند 6 ينص علي (تولي المؤتمر القطري ، وبالتالي القيادة القطرية ، كامل الصلاحيات التنظيمية التي تقتضيها قيادة العمل الحزبي في القطر المعني ..) وذلك يعني صلاحيات كاملة في كافة الجوانب التنظيمية والخط التنظيمي انطلاقا من ارتباط هذه الجوانب بالواقع العملي وخصوصية واقع الأقطار في إطار محيطها العربي والإقليمي . وبذلك تمتد هذه الصلاحيات لابتداع أي أشكال ضرورية لنمو وتطور العمل الحزبي والخط التنظيمي . وبالتالي يتحول النظام الداخلي القومي الي مجرد مرشد وموجه . ونلاحظ هنا أن الفقرة الخاصة بالقيادة القومية والمكتب التنظيمي القومي لا تمنحهما أي صلاحيات للتدخل في شئون الأقطار ، بل تحصر صلاحياتهما فقط في متابعة التنظيمات الأدنى ، ونفس المادة (البند 7) تنص علي تولي المؤتمر القطري والقيادة القطرية كامل الصلاحيات الخاصة بالقضايا الوطنية والخط السياسي الوطني ، وتشترط فقط عدم تناقضه مع سياسة الحزب القومية . وهو شرط عام لا خلاف حوله ويمكن تجاوزه بالحوار والمناقشة الداخلية بمشاركة كل الهيئات المعنية . المهم أن هذه النصوص الواضحة هي نتاج تطور داخلي واسع فرضته ظروف الواقع الحزبي والسياسي ومتغيراته العديدة ، مقارنة بما كان سائدا في الفترات السابقة حتى الستينات حيث كانت تسيطر المركزية في العمل السياسي والتنظيمي ، انطلاقا من نظرة مثالية لعلاقة الوطني والقومي وما حدث في 28/11/1997م كان تجاوزا فظا لإلغاء هذه النصوص الواضحة والارتداد لممارسات تجاوزها الواقع والتاريخ ، وذلك باسم المؤسسة القومية ، بهدف تسليم هذه الصلاحيات لعناصر محدودة لادارة العمل الحزبي من (الخارج) عن طريق وكلائها في الداخل . صحيح أن البند 7 من المادة 36 تربط الصلاحيات السياسية بعدم تناقضها مع سياسة الحزب القومية ولكن ذلك لا يلغيها . والسؤال هو من الذي يقرر وجود تناقض أو عدمه ؟ القيادة القطرية أم مجموعة محدودة في الخارج ؟ ومن الذي يطرحه للمناقشة ؟ المؤسسة الحزبية أم شخص أو أشخاص بعينهم ؟ واستناد المجموعة المذكورة في إجراءاتها علي قرارات (قومية) لا يغير من الحقيقة شيئا وذلك لان المؤسسة القومية ليست طرفا في المشكلة ولم تطلب تدخلها هيئة حزبية مسؤولة . فلماذا حدث ذلك ولم تترك المشكلة للهيئات المسؤولة ؟ ولماذا قبلت المؤسسة القومية صدور قرارات قمعية وانقسامية بأسمها ؟ لماذا لم تكلف نفسها مشقة التحقيق في ماجرى كما فعلت عام 1976م ؟ هل وجود عناصر سودانية في داخلها وحولها هو السبب في ذلك ؟ والملفت أن هذه القرارات تكررت بحذافيرها في تنظيمات اليمن والأردن واقطار أخرى ، ولمصلحة مجموعات محدودة علي حساب وحدة هذه التنظيمات وفرص نموها وتطورها . وذلك يؤشر بالتأكيد وجود خلل جوهري في المؤسسة القومية . والواقع أن سلبيات هذا الخلل بدأت تظهر بوضوح منذ بداية الثمانينات وكان المرحوم ميشيل عفلق مشغولا طال سنواته الأخيرة بكيفية مواجهتها ومعالجتها . وفي هذا الاتجاه كان مشروعه لاصلاح العمل في المركز القومي تنظيميا ومشروعه حول العمل العربي المستقبلي فكريا وسياسيا (المجلة الداخلية "2" دراسة أزمة الديمقراطية الخ ..) ومشروع الإصلاح كان ينظر لهذا الخلل وسلبياته كنتاج للارتباط بالسلطة وتضخم الجهاز الحزبي العامل في المركز القومي ودور كل ذلك في عرقله نمو وتطور العمل الحزبي في الأقطار المختلفة . ولذلك ركز المشروع علي توسيع صلاحيات الأقطار وتحويل المؤسسة القومية الي مركز للتوجيه الفكري والثقافي والسياسي ، وكان الأمل أن يتحول كل ذلك الي واقع عملي خاصة بعد المؤتمر القومي الثاني عشر (1992) ولكن السنوات السابقة شهدت العكس تماما ، أي الارتداد الي مركزية فظة وتحويل المؤسسة القومية الي كومنتيرن ستاليني يعمل علي عرقلة العمل الحزبي في الأقطار المختلفة . وهذا التوجه يتناقض مع نصوص النظام الداخلي ومشروع الإصلاح المشار إليه ويتجاهل خبرات وتجارب الفترات السابقة . وبذلك يحول العلاقة مع المركز الي تبعية عمياء ويجردها من مضمونها الحقيقي كعلامة نضالية محددة بأهداف واحكام وإجراءات معروفة .

       4.        4. هكذا تثير هذه المسألة أسئلة مشروعة حول مفهوم القومي وعلاقته بالوطني وحول العلاقة مع المؤسسة القومية (راجع الفقرة الأولى) وهذه التساؤلات تنطلق من حقائق ثابتة في تجربتنا خلال السنوات العشر السابقة حتى إجراءات 28/11/1997م المعروفة . وهذه التساؤلات تقود تلقائياً الي ضرورة مراجعة التجربة بكاملها ، لتلخيص دروسها وتأكيد سلامة وموضوعية العلاقة القومية في إطار الأحكام النظامية والخصوصية الوطنية وعلاقتها الجدلية بالخصوصية القومية العامة . وأيضا لضمان عدم تكرار ما حدث وتحويل المؤسسة الي بابوية جديدة وعقبة في طريق تطور العمل الحزبي وأداة طيعة لخدمة أهداف ضيقة ومحدودة . ولهذا السبب بالتحديد جاءت قرارات الاجتماع الموسع (7/1998) لاعادة ترتيب العلاقة علي أسس سليمة وموضوعية . وفي نفس الاتجاه طرحت القيادة المسؤولة مشروع الحوار البعثي / البعثي مع كافة التنظيمات البعثية في الأقطار الأخرى . بهدف مراجعة ومناقشة التجربة القومية بكاملها علي ضوء حصيلتها العامة خلال الخمسين عاما الماضية بسلبياتها وإيجابياتها والمتغيرات الجارية في المنطقة والعالم وكمدخل لحوار قومي واسع يعيد لحركة التحرر القومي العربية حيويتها وفعاليتها ويمكنها من القيام بدور إيجابي في عالم الألفية الثالثة . وذلك بحكم اتساع المشكلة وارتباطها بالأزمة العامة لحركة التحرر القومي العربية في عمومها وبجوانب فكرية وسياسية أساسية . وإذا كنا قد قطعنا شوطا معقولا في بدايات هذه التوجه ، فمن الضروري توسيع المشاركة في مناقشة هذه المسألة . وتساعدنا في ذلك عدة عوامل تشمل الجهد الفكري والتنظيمي والسياسي الذي بذلناه خلال السنوات السابقة لاعادة بناء الحزب وتجديدة وتوجه معظم الأحزاب الوطنية لاصلاح بنيانها الداخلي وتوطين الديمقراطية في الواقع الوطني . وفي المستوى العربي هناك الدور النشط لمركز دراسات الوحدة العربية في مجال تجديد وتطوير الفكر القومي وبروز المؤتمر القومي العربي كإطار فكرى وسياسي فاعل في الساحة العربية طوال السنوات العشر السابقة وتركيزه علي إصلاح الحزبية العربية واحياء حركة التحرر العربية بشكل خاص . وهناك أيضا الإشارات الإيجابية في سوريا في مجال الانفتاح الديمقراطي وتطوير العلاقة مع العراق ، وارتفاع بعض الأصوات المؤثرة داخل العراق نفسه بالدعوة لتحول ديمقراطي حقيقي ولتطوير العلاقة مع سوريا وتوحيد الحزب في البلدين (تصريحات عدى صدام حسين) وفوق كل ذلك هناك ضرورات الواقع العملي في ظروف المتغيرات الجارية الدافعة باتجاه الديمقراطية والوحدة والتكامل الاقتصادي والسياسي بين بلدان المنطقة العربية . ومن خلال تفاعل هذه الظروف في مجملها ستعود الحركة السياسية والاجتماعية السودانية وحركة التحرر القومي العربية ، ومن ضمنها حزب البعث العربي الاشتراكي ، أكثر حيوية وفعالية في المرحلة القادمة . والمهم هنا أن نمسك بالخيوط الرئيسية في هذه العملية الجارية ، وعلي رأسها مشروع الحوار البعثي والقومي وأساسيات البناء الحربي في مرحلتنا البعثية الجديدة ، وان نعمل علي تأهيل أنفسنا فكريا وتنظيميا وسياسيا للمساهمة الإيجابية في هذه التطورات القادمة لا محالة .

*   الموجهات الأساسية للبناء الحزبي : -

       5)        5) يستند البناء الحزبي عموما علي ثلاث ركائز أساسية ، هي الفكر والتنظيم والاستراتيجية السياسية والاقتصادية الاجتماعية . ومن هنا كانت المكانة الكبيرة التي تحتلها المسألة التنظيمية في هذا البناء وارتباطها العميق بالركيزتين الأخيرتين (الفكر والاستراتيجية) وذلك رغم ضعف الكتابات التنظيمية في أدبيات الحركة السياسية العربية والسودانية عموما . وفي هذا الإطار بشكل النظام الداخلي أهم ركائز البناء الحزبي ويقوم في وقت واحد بعملية تنظيم الحياة الحزبية الداخلية الفكرية والسياسية وعملية تنظيم النشاط الحزبي في وسطه الجماهيري بمستوياته المختلفة . وذلك من خلال بنية الحزب التنظيمية ومبادئ المركزية الديمقراطية والتقاليد التنظيمية الراسخة في العمل الداخلي والجماهيري . وفي ذلك لابد من الاستفادة من تجاربنا التنظيمية في الفترات السابقة ، وتلخيص دروسها وخبراتها بإيجابياتها وسلبياتها علي السواء . وهي تجارب غنية وثمينة . تشمل فترة البدايات حتى عام 1975 ، وفترة العمل السري حتى 1985 ، وفترة الديمقراطية الثالثة 85 - 1989 وفترة العمل السري في ظل النظام القائم ، ومعظم الحزبيين مارس العمل في فترتين من هذه الفترات علي الأقل وهناك أعداد كبيرة تمتد تجربتهم الي اكثر من ذلك ، ومن خلال هذه التجارب يمكنهم المساهمة في تجويد أساسيات البناء الحزبي وتركيز إيجابياتها وتجاوز سلبياتها . وبشكل عام يمكن تلخيص الموجهات الأساسية في الخطوط آلاتية :

        ‌أ.          ‌أ.  بناء الحزب علي أساس وطني يفتح أبوابه لكل أبناء وبنات السودان ، بمختلف أقاليمهم وأديانهم وثقافاتهم (شروط العضوية) وطبيعة الحزب القومية لا تتناقض مع هذا التوجه ، بل تدفعه لمواجهة التحدي والتفاعل الخلاق مع وضعية بلادنا بتنوعها وتركيبها القومي المزدوج وخصوصية انتمائها ودورها العربي الأفريقي . وذلك انطلاقا من المفهوم الحضاري للعروبة بشكل عام ودور العروبة السودانية بشكل خاص في تأسيس الكيان السوداني والمحافظة علي وحدته وتماسكه في مراحله التاريخية المختلفة . وهناك بالطبع مشاكل وصعوبات ، لكن يمكن تجاوزها بمزيد من التخطيط والجهد الفكري والتنظيمي والسياسي والتعامل الإيجابي الخلاق مع حقائق الحياة السودانية وتطورات الواقع السياسي والاقتصادي الاجتماعي وارتباطاته العربية والأفريقية .

       ‌ب.          ‌ب.   حزبنا ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، بنشأته وتطوره وبرنامجه السياسي (البعث وقضايا النضال الوطني) يمثل جزءا لا يتجزأ من الحركة الوطنية الحديثة ، التي بدأت في عشرينات القرن الماضي بحركة الاتحاد السوداني واللواء الأبيض وثورة 1924 ، مرورا بمؤتمر الخريجين وحتى انتزاع الاستقلال في مطلع 1956 ، حتى ثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/أبريل 1985 وحركة المقاومة التي يقودها التجمع الوطني الديمقراطي ضد النظام القائم . وبرنامجه السياسي ينطلق من المشروع الوطني كما تبلور منذ ثورة 1924 حتى الآن ويستند الي كل إيجابياته في اتجاه استكمال مهام مرحلة ما بعد الاستقلال والثورة الوطنية التقدمية بأفقها القومي والاشتراكي .

اقامة البناء الحزبي علي أساس الفرق والفروع والتنظيم الفرقي القطاعي في المواقع والمناطق المختلفة .. الفرقة هي أساس هذا البناء واساس وحدته الفكرية والتنظيمية والسياسية ودليل عملها يضع الاعتبار الكافي لتفاوتات التطور الاقتصادي والاجتماعي بين المدنية والريف وبين الأقاليم المختلفة .

       ‌ج.        ‌ج. التركيز علي القوى الحديثة في المدن ومواقع الإنتاج والخدمات ، العمال والموظفين والمهنيين والمزارعين والنساء والشباب والطلاب الخ .. وذلك باعتبارها القوى المؤهلة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا للقيام بعملية التغيير واستكمال مهام مرحلة ما بعد الاستقلال بأفقها القومي والاشتراكي .

        ‌د.         ‌د. بناء تحالف واسع مع القوى الوطنية والقومية والديمقراطية بمختلف انتماءاتها الفكرية والاجتماعية في اتجاه بناء سودان ديمقراطي موحد ومستقل وفاعل في محيطه العربي والأفريقي . ويشمل ذلك كافة تنظيمات المجتمع المدني والتحالفات السياسية وسط قوى الديمقراطية والتقدم وفي إطار التجمع الوطني الديمقراطي .

        ‌ه.         ‌ه. التركيز علي التوازن بين العمل الثقافي والسياسي والعمل التنظيمي الداخلي والنشاط الجماهيري العام ، والعمل الفكري والثقافي يحتاج الي تركيز اكثر في المرحلة القادمة بهدف تمكين الحزب من استيعاب المتغيرات الجارية وتأهيله للقيام بدوره الوطني والقومي .

       6)        6) هذه هي الموجهات الأساسية في البناء الحزبي ، كما تبلورت خلال تجاربنا العملية في الفترات السابقة . وعن طريق التمسك بها استطعنا بناء تنظيمات حزبية في حدود معقولة في معظم مناطق وأقاليم بلادنا ، باستثناء الجنوب لاسباب عامة تشمل الحركة السياسية الوطنية في عمومها ، وفي الوقت نفسه تمكنا من ترسيخ تقاليد تنظيمية عديدة في نشاطنا اليومي . وخلال الفترات السابقة طرح الحزب نفسه كحزب وطني قومي جاد له إسهامه الفكري والسياسي البارز والمتميز في مجمل مسيرة التطور الوطني وله علاقاته النضالية مع كل المراكز المتقدمة في الحركة السياسية والاجتماعية في البلاد ، ولذلك من الضروري التمسك بهذه الموجهات والتقاليد التنظيمية الإيجابية والعمل علي تطويرها وتحويلها الي دليل عمل يومي في كافة نشاطاتنا الحزبية . ولكن هناك أيضا سلبيات عديدة يجب تجاوزها دون تردد . هناك بدائية في أساليب عملنا التنظيمي تشمل طريقة الإعداد للاجتماع الحزبي وطريقة المناقشات والمداولات ومتابعة تنفيذ القرارات وعلاقات الهيئات الحزبية مع بعضها الخ .. وهناك التعامل مع النظام الداخلي كقانون عقوبات وسلطة قمعية ، وليس كقواعد لتنظيم الحياة الحزبية الداخلية والمشاركة الجماعية في النشاط الحزبي . وهناك أيضا اختلال العلاقة بين المركزية والديمقراطية لمصلحة الأولى . وكل هذه السلبيات وغيرها تعمل علي تكريس المركزية في العمل ومصادرة الديمقراطية الداخلية ، وبالتالي تحويل الجهاز الحزبي الي أدوات تنفيذية فقط ، ونتج ذلك أساسا من ظروف العمل السري وضغوطها المعروفة . واستمرار هذه الظروف لفترات طويلة (فترة حكم نميرى وحكم الجبهة الإسلامية الحالي) أدى الي ظهور سلبيات عديدة تمثل أهمها في تنمية نزعة السيطرة المركزية وسط القيادات الحزبية وتكييف الجهاز الحزبي لقبول هذه السيطرة في نفس الوقت . ونتج أيضا من ضعف التربية الفكرية ، بحكم إهمال العمل الفكري والثقافي لصالح العمل السياسي والتنفيذي ، الذي أدى بدوره الي نمو العلاقات البلدية والعشائرية علي حساب العلاقات الحزبية الموضوعية ، والمهم هنا دراسة تجاربنا في العمل التنظيمي وتلخيص دروسها وخبراتها بهدف تكريس الإيجابيات وتجاوز السلبيات وفتح الطريق لحياة حزبية داخلية معافاة ومنتجة ، صحيح أنه لا يمكن تحاشي السلبيات في أي عمل انساني ، هذا صحيح ، لكن تكرار السلبيات بنفس الأسباب لا يمكن اعتباره أمرا طبيعيا ومعقولا .

*   خلاصة :

       7)        7) ناقشنا في هذه المقالة بعض الأفكار ذات العلاقة بالنظام الداخلي . وشمل ذلك علاقة القومي والوطني ومفهوم القومي والوطني والموجهات الأساسية للبناء الحزبي ، كما تبلورت في تجربتنا العملية خلال الفترات السابقة ، وذلك بالإضافة الي التساؤلات التي تطرحها إعادة نشر وثيقة النظام الداخلي ، والمهم هنا التعامل مع هذه الأفكار كمدخل لحوار واسع حول المسألة التنظيمية ، كآلية توسط بين الفكر والواقع وتنظيم الحياة الحزبية الداخلية ، وصولا الي تجديد وتطوير أساليب عملنا التنظيمي بما يتلاءم مع المتغيرات الجارية حولنا ومع المهام الوطنية والقومية المطروحة أمامنا . 

 

 

البعــــث

 

Main Page